التعصب
التعصب آفة ولا يسلم منه الا من رحم الله, ومن السهل لأي أحد أن يشعل الفتنة في أجواء التعصب, والتعصب يأتي كتعويض عن الانتماء الطبيعي, وإذا وجد هذا الانتماء تغيرت الخارطة, وهو قد أتى أساسا من تحديد موقفك من الثنائيات, فعند الإنسان غريزة تحديد الموقف, وتجد حتى الأطفال يحددون مواقفهم من قضايا عالمية, وإذا لم يعرفوا يسألوا الكبار ليساعدوهم في تحديد الاختيار, وفي اي تنافس او صراع يبحث الانسان تلقائيا (هل انا في هذا الصف او الصف الآخر), ولو تمر ببلد فيه فريقين رياضيين يقتسمان الجمهور, تجد أنك تًخيَّر ذاتيا بدافع غريزة التقييم لتنتمي لأحدهما, (فكلما تخرج ثنائية كلما يحدد الإنسان موقفه منها)(قانون) فالاختيار بين الثنائيات من قوانين الشعور (قانون), حتى لو رفض كلاهما سيبقى هناك تفضيل ومقارنة بينهما في نفسه, وهذا يدل على ان الانسان يملك غريزة قوية وهي التقييم التي هي اهم الغرايز العقلية, ولان اكثر الناس لا تسعفهم غريزتهم في تقييم كل شيء فانهم يلجأون الى من يثقون بهم كقدوة لاجل التقييم والتوجيه وبيان المهم وغير المهم, وأساسها هذه الغريزة أتى التقييم بين الاختيارين اي الخير والشر, ولهذا القضايا التي يُراد أن يحدَد الناس رأيهم فيها يؤتى بها على شكل ثنائية, ولهذا الملاحدة يحاولون أن يجعلوا العلم في ثنائية مع الدين, وهذه نسميها خدعة الثنائية, أي أن يريد أحد أن يجعل ثنائية من شيئين ليسا نقيضين. ولما تعرض للشعور مجموعات فسوف يبحث عن الثنائية, (البحث عن الثنائية من قوانين الشعور), فلو يقدم لك مجموعة لاختيار من متعدد ستجد أنك ستحتار بين خيارين اثنين فقط وفي الأخير ستحدد موقفك.
إذا لم تنتمي إلى انتماء كبير ستنتمي لانتماءات صغيرة, والإنسان الغير مرتبط بالله سيكون متعصبا حتميا لنفسه ولما حوله من مادي او معنوي ولما يعرف(قانون), وقد يحتقر كل ما لم يدخل في نطاق حياته ومجتمعه, مثل ما هو مشهور عند الرحالة عن نظرة ابناء القبائل لمن لا يعرف لغته ولا عاداتهم فإنهم قد يحتقرونه, بينما نفس الشخص يكبر في عيونهم كلما عرف لهجتهم وعاداتهم, وهذه علامة التعصب انه يستهين بكل شيء خارج عن نطاق تعصبه, وكل شيء فيه تعصب سواء في الفكر والرياضة والقبيلة والدولة والوطن ..إلخ.
التعصب معناه أنك تحافظ على مجموعة معينة وان ميزاتهم وعيوبهم ستصلك, فعيوب بعض أفراد القبيلة يلحق باقي القبيلة, أما العبودية لله فتجعل كل شخص مسؤول عن سلوكه وليس مسؤولا عن سلوك الآخرين, قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى), ونفهم من هذا أن الإسلام ضد التعصب لأنه باب التعميم والظلم, والتعصب يقيد الحرية, إذ لا يوجد حر حقيقي على الأرض إلا من يعبد الله, نحن لسنا ضد المحبة والانتماء للاشياء التي احتك بها الانسان في حياته, ولسنا ضد ان يحب مجتمعه ووطنه, لكننا ضد ان يحتقر ما سوى مجموعته وأن يقف مع مجموعته على الحق أو الباطل, وهذه هي الصفة الثانية في التعصب المذموم,
صفات التعصب:
الصفة الاولى هي احتقار الآخر, اما الصفة الثانيةهي تقديم الدعم دون مراجعة للحق والباطل, مثل ما قال الشاعر الجاهلي:
وما أنا الا من غزيَّة ان غوت ... غويت وان ترشد غزية أرشد
أي تسليم مطلق للتعصب, التعصب يحتاج لشعارات مادية لتميزه عن التعصبات الأخرى, أما عبودية الله ليس فيها شعارات, والتعصب هو من اقوى الاسباب التي انتجت عبادة غير الله مع الله, كما قال تعالى:(مودة بينكم). هذا الطوطم او التمثال او الوثن كرمز خاص للمجموعة, وهكذا كل مجموعة لهم رموز التي يدَّعون انها تقربهم الى الله زلفى, مع انهم واقعيا يفضلونها على الله مع انهم يعترفون ان الله هو الخالق وهو الرازق.
المشكلة في التعصب هي التعميم (العيب الثالث او الصفة الثالثة للتعصب) بالميزات والسلبيات, فالجهة التي تتعصب لها إذا أحد منهم فعل شيئا حسنا تشعر أنك كسبت, وإذا أخطأ تشعر بأنك خسرت, فتستمر نقاط الضعف موجودة, فبكلا الحالتين أنت ظالم ومظلوم, فأنت تأخذ مكسب ليس بمجهودك وتدخل فيمن يحبون أن يحمدوا بمالم يفعلوا, فإذا فاز نادي رياضي مثلا يشعر المتعصب له أنه كسب وإذا خسر يشعر بالانكسار ويتعرض للسخرية بسبب خطأ غيره. ونقاط الضعف هذه تستغلها التعصبات الأخرى, وأنت تستغل نقاط ضعف التعصب الآخر وتستمر الحكاية صراع وعداوة, وبالتالي لا وجود حقيقي لألفة حقيقية بين البشر في الوقت الذي تنبني حياتهم على تعصبات وبالتالي صراعات, والشيء لا يصنع نقيضه, والصراع لا يصنع وئام, وبما أنه لا يوجد انتماء بشري يستطيع ان يحتوي كل الناس, بالتالي لن يكون الناس في وئام, لهذا قال تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} لأن هذا الحبل هو ما يستطيع أن يجمع كل البشر في نسق أخوي بدون صراع, إذ لا وجود حقيقي للصراع بين من يرتبطون بحبل الله جميعا, فالتسليم لله ينهي كل مشكلة التعصبات ويحولها إلى اختيار وولاء هادئ مبني على فكرة الخير والشر كما أمر الله.
وفكرة الصراع كلها إما صراع مفروض أو مفتعل, المفروض يقف عند حد الدفاع ولا يستمر, والمفتعل أي المرغوب هو الذي يستمر من الأمور الصغيرة إلى الأمور الكبيرة لأنه يغذَى, والمؤمن الحق لا يغذي الصراع لأنه يدفع بالتي هي أحسن ويصبر وإذا عاقب يعاقب بمثل ما عوقب به فقط ولا يتمادى, ويعاقب الجاني وليس عقابا تعصبيا عاما, لان المتعصب عنده مشكلة رابعة وهي أنه يعتقد ان الكل متعصبين مثله (وهذا العيب او الصفة الرابعة للتعصب), بل لا يصدق انه لا يوجد انسان متعصب, وكم من البشر ظلموا نتيجة الباسهم لباس تعصب مضاد قد لا يكونوا يعرفونه.
بعبودية الله تنحسر نار الصراع, فالمؤمن الحق إذاً يًخرج خير الناس أكثر مما يخرج شرورهم ويضطرهم لزيادة الشر.
والتعصب كتطرف وتشدد يأتي من أن هذا الانتماء لا يحتمل الشعور أصلا لانه مليء بالعيوب والاخطاء ولا يوجد كامل, والشعور يريد كامل, فيكون الشخص متوتر ويحاول أن يخفي العيوب, فكل متعصب لايقول العيوب في ما يتعصب له, لكن التعصب (الانتماء) لله لا يسبب توتر لأن منهج الله يتحمل كل شيء والله شديد المحال, والعابد لله اسهل ما عليه ان يقول عيوبه وتقصيره هو, لان مجال العبودية ليس مجال صراع بل مجال خضوع, ولا أحد يستطيع أن ينتقص من انتمائك حقيقة لكن انتماءاتك البشرية ممكن أن ينتقص منها, وهذا فرق بين الانتماء والتعصب, التعصب يصاحبه تشنج وكذب وادعاءات وتطاول الاصوات, والاطول هو الصحيح, لأن هذه الأشياء لا تحتمل الحب الذي قُدم لها, والله هو الذي يحتمل الحب المطلق لأن الله هو الكامل والباقي كله مليء بالعيوب, فأي منهج لا يحتمل الحب الكامل سيؤدي إلى صراع.
وأيضا الشائعات تدخل من خلال التعصبات.
التعميم يسبب ظلم, فمن يسخر من قبيلتك ستسخر من قبيلته كلها ولن تسخر منه هو, فكل متعصب ظالم لأنها ليست مواجهات شخصية بل مواجهة تعصب بتعصب ومجموعة بمجموعة, والمتعصب يدخل أناس في التعصب ليسوا فيه, فالناس كلهم يراهم المتعصب إما مع أوضد.
from مــدونــة الـــورّاق https://ift.tt/39Obe3i