آخر الفيديوهات!

تأملات وأفكار حول الأمراض والبكتريا

الظروف البيئية السيئة (كالملاجئ في الحروب وعدم النظافة الخارجية أو حتى التعرض لبرودة مفاجئة) قد تسبب الأمراض الوبائية المعدية، بينما لو تحسنت هذه الظروف وارتفع مستوى النظافة، فسيقل انتشار مثل هذه الأمراض، بينما الأمراض الباطنية لا علاقة لها بمستوى النظافة في الأغلب، فهذه الأمراض كالقولون وارتفاع او انخفاض الضغط وارتفاع او انخفاض السكر وغيرها، من الممكن أن نسميها أمراض الأغنياء.

إن البكتريا تحوم حول الجسم وتدخل فيه إذا مرِض، وتخرج منه إذا تعافى، كما هي الحال في فيروسات الإنفلونزا، حيث تتكاثر وتنقسم لمدة أسبوع تقريبا، ثم تبدأ بالانحسار، أي هي عبارة عن زائر للتنظيف، فإذا شُفي الجسم لم يعد لوجودها فائدة فتغادره. إن وظيفة البكتريا بشكل عام تنظيفُ البيئة من الجثث، وهذا ما يحدث في حالة الشفاء من الأمراض التي ترافق البكتريا أو الفيروسات كالزكام، وإلا فكيف بعد أن تسيطر الجراثيم وتنقسم كل هذا الانقسام الهائل تخرج مهزومة؟ هذا طبعا بالنسبة لشخص لم يأخذ أي دواء أو مضاد حيوي.

و حتى الذباب الأزرق يضع بيوضه على الجروح، والعجيب أن يرقاته لا تتغذى على اللحم الحي، بل على ما يتعفن منه. حتى لو أن جزءا من الجسم يموت بسبب أمراضٍ كالغرغرينا والجذام، فستأكله تلك الكائنات المحلّلة، هذه الكائنات ليست هي التي تسبب المرض، بل هي مستفيدة منه وتعيش عليه، لأنه لو كانت هذه البكتريا والجراثيم هي المسببة لهذه الأمراض، لسببّتها مباشرة و في كل وقت، نظراً لأنها منتشرة في كل مكان، وتدخل في الأجساد، ولا يمكن القضاء عليها بالكامل أو الاتّقاء منها.

إن هذه البكتريا والجراثيم تؤدي وظيفة في توازن البيئة. فتجد كائن حي له طرف متعفن تعيش فيه البكتريا أو الديدان، بينما لا تجدها تعيش في الأطراف السليمة. وهذا ليس بسبب مناعة ومقاومة، بل هكذا هي السُّخرة والوظيفة. تماما مثلما أن الماعز لا يمكن أن تفترس وتأكل كائن حي آخر، لأنه ليس هذا دورها، فهي قد تموت من الجوع ولكن لا تفترس، مع أنها لو شاءت لاستطاعت أن تفرس دجاجة وتأكلها مثلا. بعبارة أخرى : لا توجد بكتريا مفترسة، كما أظن. بموجب المنطق السابق، وليس بموجب دراسات، فأنا لم أقم بذلك ولا أدّعيه.

إن البكتريا تنتظر أي إشارة من الجسد على المرض أو الموت، سواء داخل الجسم أو خارجه، لتهجم عليه. كالفم مثلا الذي يعتبر مليئا بها، وتنتظر تماما كما ينتظر الذباب أي شيء سيء يحدث للجسم، مثلما تنتظر البذور ملائمة المناخ والمطر لتنبت، وكما يقولون : فلانٌ مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح. و حتى النائم و الذي قد يترك فمه مفتوحا قد يمتلئ بالذباب، لأن رائحة العفن تجذبه، وهذا العفن بسبب البكتريا التي تتغذى على بقية الطعام في فمه و بين أسنانه، لكنها لا تتغذى على هذا الجسم الحي.

لماذا الحيوانات في البرية لا تأخذ تطعيمات لكي لا تصاب بأمراض ؟ وهل توجد بكتريا مهاجمة للأحياء ؟ النباتات والأشجار لا تصيبها البكتريا إلا في حالة المرض، كالعفن. ولو كانت هناك كائنات صغيرة تدخل الجسم لكي تفترسه وهو حي، لوُجد ما هو اكبر منها ويفعل نفس الفعل، ولكننا لا نجد ذلك إلا عند الطفيليات.

لو كانت المسألة مسألة وجود فرصة للدخول للجسم، لأصبح أي شخص مصاب بجُرح سيُصاب بكل أنواع الجراثيم، وليس بنوع واحد فقط، لأنها موجودة في الجو. المرض الخارجي هو ردة فعل الجسم على دخول أجسام غريبة, هذا في الجانب الخارجي فقط وليس في جانب الأمراض الباطنية أو الداخلية، فمثلا مرضى الجدري تختلف آثار المرض عليهم و شدّته من مريض إلى مريض آخر، و ردة فعل الجسم هذه أيضا مرتبطة بالشعور والعقل الوسيط، واختلاف ردّات الفعل هي التي تسبب اختلاف الحساسيات ومقدار التحسس، فبعضهم يتحسس من الغبار والأعشاب، وقد يدخل المستشفى، وبعضهم أخف، وبعضهم لا يتحسس أبداً. (نحن هنا نضع العقل الوسيط بديلا عن التبرير بالوراثة).

بعض الأفراد المصابين بالتحسس من أمور معينة تتغير حساسيته و قد تزول بالإقناع. وبعض الأمراض التي يقال أنها وراثية لا تظهر إلا بعد مراحل متقدمة من العمر، كالسكري وضغط الدم، فلماذا لم تظهر منذ الولادة ما دامت وراثية؟ مثلما تظهر الوحمات على الجلد؟ لأنها وراثية فعلا. ولماذا يزداد التحسس إذا كان الإنسان يمر بإجهاد وإرهاق جسدي أو نفسي ؟ عندما تصف شيئا بأنه وراثي فلا بد أن يكون ظاهرا مباشرة منذ الولادة.

التحسّسات أسبابها خوف ، وغالبا ينتشر في كل أسرة نوع من المخاوف، فتنشأ تحسسات من نوع معين، لذلك تتكرر بعض الحالات في بعض الأسر، وهي ليست وراثة.

يبدو أن كريات الدم البيضاء تقوم بوظيفة إحاطة الجسم الغريب وتطويقه. نرى ذلك في الشوكة إذا انغرزت في الجسم وبقيت لمدة طويلة، ومهما كانت كبيرة أو صغيرة، وذلك من اجل إخراجها وليس لمحاربة البكتريا والقضاء عليها، ويمكن إجراء تجربة للتأكد من ذلك بتعقيم شوكة وغرزها في الجسم. ستجد أنها تحاط بهذا الصديد أيضا، لأنها لن تخرج بدونه، وهي التي تسهل خروجه، وتصبح مادة عازلة ولزجة حتى لا يختلط الجسم الدخيل بالجسم.


from مــدونــة الـــورّاق http://ift.tt/2p731Qd
صور المظاهر بواسطة fpm. يتم التشغيل بواسطة Blogger.